أنا خائف

لو كنت في أي مكانٍ، عرفت من فيه أم لم تعرفه، وقلت له بكل ما في السؤال من بديهية: هل يراودك الخوف من شيء ما في أي جانب من جوانب حياتك، لكان من يجيبك بالنفي قلة! 

الإنسان كائن من وجهة نظري، معجون بالخوف، من طفولته، حين يتعلم هذه المفردة، وتضاف لقاموسه، تبدأ لائحة مخاوفه بالازدياد، قد تمحى بعض البنود، لكن فقط لتحل مكانها مخاوف أُخرى، وكل مرحلة لها ذُعرُها الخاص! 

فرضًا، ركّز معي في هذه اللحظة، كن حاضر الذهن -لو سمحت- وعد بذاكرتك خمس سنوات، وقل بصوت عال أكثر ما كان يخيفك في تلك الفترة، قد تتمتم ما زال الخوف قائمًا، لأن السبب هُنا لم يبرح، أو قد أسمع تنهيدة مرتاح، نزل به الفرج وانحلت عقدة من مخاوفه، لكن أيضًا الآن أنت في خوف من شيء آخر، يُعزى لعملك أو دراستك أو علاقاتك أو صحتك أو أحبائك، – الخير واجد- ولله الحمد ولن تعدم من مصادر القلق يعني. 

يحيا الإنسان ينهشه ذئبان، أحب هذا التعبير القاسي الذي يصف الحالة بدقة، وهما: ماضيه؛ بما فيه من حزن وألم أو  خزي من تفاصيله، ومستقبله؛ فرأسه مليء بالهواجس من ذلك البعيد المجهول، وقد تسحبه هذا الحالة، من تركيزه في كنزه الذي بين يديه؛ يومه بما فيه من ساعات ودقائق، لكنها للأسف شُغِلت بالهلع من المرتقب، والحزن على المنقضي.

وإن كنت متحدثة عن مخاوفي العشر الكبرى فسأبدأ تبعًا لأهميتها في نفسي:

 1. الخوف من توقف سعيي في محاولة أن أكون أمة تبحث عن رضا الله ومحبته. 

 2. أن تناقض أفعالي أقوالي، وأسير بين الناس متحدثة بكل جميل لا أتمثله، وأظهر خلاف ما أبطن، في ما أعتقد دينًا، وفي ما أحمل من شعور، وفي ما أؤمن به من قيم ومبادئ، متجاوزة خطوطي الحمراء. 

 3. أن أكفر بالخير في داخلي، فأنكر جميل ما أفعل، وأمتهن جلد الذات وتعزيرها، وأكفر بالخير الذي عند الناس، فأؤمن أن الهلاك مصير مجتمعاتنا، وتغيب الجدوى من كل فعل صادر عني وعنهم مهما كان صغيرًا أو كبيرًا. 

 4.  أن تفتُر همّتي في طلب العلم، أن تتوقف عيني عن الاتساع إذا مرت بما يُدهِشها، أن تتوقف الأسئلة، ويموت الفضول في داخلي، أن تذبل زهور الخيال، وأن تستحيل خصبة الآمال لصحراء مقفرة. 

 5. أن يتملّكني الملل، من معرفة نفسي وتهذيبها، وألا أجد محطات وقود، تدعمني لأكمل المسير، أن أتململ ممن يطلبني المساعدة، وأنفر من الاستماع المتعاطف مع الآخر، وأكُفّ عن محبة أعماق الآخرين وفهمهم. 

 6. أن “أتحنث لصورتي في أنفس الآخرين”، فأعطي قيد حياتي لسواي، وأعبد صورتي في ذهن الآخر، وأفعل ما لا يشبهني لأزيد رصيدي عنده. 

 7. أن أرغب في مودة زاهد بي، يضمن وجودي، فلا يبذل، ويستهين بغيابي فلا يسأل، ويرى جميل فعلي فلا يشيد ويمدح، وينظر بالمجهر لعيوبي، فلا يعرف التغافل وحسن الظن لقلبه طريقًا. 

 8. أن أُهمل من يحبوني حقًّا فلا أمنحهم بمقدار منحهم، وأتعامل مع لطفهم ومحبتهم واهتمامهم وكأنه ثابت لن يتغيّر بمرور الدّهر!

 9. أن آلف النعم، وأتعامل معها بلا ثناء وامتنان، -أن أرى السماء ذات الحبك والخضرة الممتدة، والأرض المنبسطة، والفراشات بألوانها الزاهية، والعصافير بزقزقتها الصباحية، وجسدي الذي يعينني على العيش، بأنفاسي غير اللاهثة، وقلبي غير المتعب، وأقدامي المهرولة، ويداي التي أكتب وأطهو وأربت بهما، وعقلي الذي أجد في فسحة خياله عن الواقع وألمه ملاذًا-، فلا أحمد الله على عظيم صنعه. 

 10. أن أركن للدنيا، وأرى فيها منتهى الآمال والطموحات وأجعل كل سعيي وطاقتي في تحصيل ملذاتها، وأنسى أنها دار ابتلاء واختبار، وأنظر للأشياء والأحداث والأشخاص بمعاييرها، ولا أُلبسها معنى آخرويًّا، يمنحني الصلابة النفسية لأتحمل وأصبر، كم يلاحقني كابوس أن ينزع الصبر من صدري، فأنى لي أن أعيش؟!

كنت في جلسة مع صديقة عزيزة، لا أزكيها على الله، ولكن لها حال طيب من تزكية النفس، ومراجعتها، وأرى فيها مستشارة وناصحة أمينة، أميل لها إذا أخذتني رياح الدنيا يمينًا وشمالًا، فأخبرتها عن واحدة من مخاوفي، لتقف بحزم ثم ذهبت تتأملني مدهوشة: رغد هل تؤمنين بالله حقًّا! 

لماذا كل هذا الخوف، ولا إله إلا الله منقوشة في قلبك، ترددينها صبحًا ومساءً! 

كيف يجتمع خوف الإنسان مع لسان لا ينفك في اليوم عن قول الله أكبر، يا رغد، الله أكبر من الدنيا وما فيها بأحزانها وبلاياها ومخاوفها، كوني مع الله دائمًا، في كل أحوالك، إن أعطى فمن سيمنع؟ وإن بسط فمن سيقدر؟  وإن أعز فمن يذل؟ وإن يسر الأسباب من سيعسر؟

كن مع الله ترى الله معاك

وكلما نابك أمر ثق به

واحترز للغير تشكو وجعك.

Scroll to Top