العلاقات في حياتنا احتياجات وتوقعات
نعلم یقینًا بأن العلاقات تحمل معھا التزامًا ومجھودًا عظیمین بمجرد الدخول فیھا، ولنخفف عن أنفسنا الخوف الناجم عن ھذه الحقیقة، فإننا عادةً ما نلجأ لرفع سقف توقعاتنا، والنظر إلى أن ھنالك مقابلا سنحصل علیه أیضاً، وھذا أمرطبیعي -ان كان ضمن الحدود-، وإحدى ھذه التوقعات (الاعتماد على الشریك)، لكن ھل ھذا التوقع یقع ضمن المنطق والمعقول أم أننا نُحمِّل الشریك ما لا یحتمل؟
في كتاب العلاقات الحمیمة، في الفصل المعني بالأركان الأساسیة للعلاقة جملة تقول:” أننا نحتاج للآخر بطریقة یصعب علینا أن نتخیلھا “. إذاً، فوجودنا في العلاقة یحقق احتیاجا أصیلاً وھو احتیاجنا للانتماء، حیث یكون الشخص في علاقة طویلة الأمد تتضمن تفاعلات متبادلة ومتكررة یتشارك طرفاھا الاھتمام والحب، مما یساھم في استقرار كل طرف والحفاظ على سوائه النفسي، ذلك أنّ الوحدة بوابة للقلق والضغط النفسي.[1]
ماذا عن الحب؟
عند الحدیث عن العلاقات غالبا یكون للحب نصیب من ذلك ، ولأن الحب شعور، یتفاوت الناس في المفھوم الذي یحملونه حوله، لذلك اھتم علماء النفس أیضا في تشكیل مفھوم له ومثال ذلك الطبیب النفسي سكوت بیك الذي یقول – مُستلھماً ومُتأثراً بأعمال إیریك فروم – عن الحب ” : ھو إرادة الإنسان بتوفیر بیئة ینمي فیھا نفسه وشریكه روحیا . “فالحب یعني أن ھناك شخصین یتفھّم بعضھما بعضا، وتُعتبر رفاھیة كل طرف محطَّ اھتمام الآخر، وتتواجد مسؤولیةٌ اتجاه الشریك في العلاقة كصورة من صور الالتزام المتبادل، ویترتب على ذلك احترامه والحفاظ على كرامته وعدم تعریضه للإساءة بكافة أشكالھا فالحب والإساءة لا یجتمعان.[2]
وبمجرد حدوث الارتباط والزواج نتشارك أجزاء كثیرة من شخصیاتنا، وبصورة لا یمكن لعلاقة أخرى في حیاتنا أن تساھم في ذلك، فنخرج من حیز الأنا ونبدأ بالتعامل مع الحیاة بصیغة نحن! ولكن ماذا إن كان أحد طرفي العلاقة منغمسا في الآخر ومعتمدا علیه بصورة مرضیة؟
الاعتمادية المرضية
تُعرّف الاعتمادیة المرضیة على أنھا : إعتماد الشخص كلیا على الآخر لتلبیة احتیاجاته العاطفیة والنفسیة والجسدیة، فھو یرى أن استقراره الداخلي حاصل عن طریق مؤثرات خارجیة.[3]
وللاعتمادي مجموعة من السمات التي یُعرَفُ بھا:
أولا: ضعف الثقة بالنفس ؛ فتكون في مقارنة مستمرة لنفسك مع الآخرین.
ثانیا :السعي المبالغ فیھ لإرضاء الآخر؛ فمن الطبیعي أن تھتم لرضا شریك حیاتك لكن حدیثنا ھنا ھو عدم قدرتك على رفض أي شيء مھما كان مزعجا لك، والأشد أن تتجاوز رغباتك الشخصیة فقط لیشعر ھو بالراحة!
ثالثا: غیاب الحدود الشخصیة ؛ فالحدود بمثابة خطوط تفصلك عن الآخر، ولیس المعني جسدك فقط، بل مالك ومشاعرك وأفكارك واحتیاجاتك، لذلك أصحاب ھذا النمط من الشخصیة بسبب التماھي في الحدود، یرون أنفسھم مسؤولین عن مشاعر الآخر ومشاكله ویلقون باللوم على أنفسھم عند حدوث أدنى مشكلة.
رابعا: حب السیطرة ؛ الجمیع یحب النظام، وأن تكون الأمور في حیاته تحت السیطرة، لكن ما یحدث ھنا مختلف، فالاعتمادي أمانه مرتبط بسیطرته على المقربین منه، وما تم ذكره سالفا من الاستماتة في استرضاء الشریك ما ھو إلا سبیل مؤد لھذا.
خامسا: التواصل غیر الفعال؛ عادة ما ینطوي التواصل الفعال على عرض أفكارك ومشاعرك الأصیلة بشكل سلس، إلا أنه في حالة التواصل غیر الفعال، تكون ردود الفعل حاضرة دائما من اجل الشریك، مع غیاب التركیز على النفس، فالحدیث عن المشاعر یعتبر تھدیدا وثمنه تخلي الشریك عنك – وذلك تبعا لظن الاعتمادي- !
تخبرنا الاستشاریة في علم النفس نیكول لیبیرا مجموعة من التعبیرات التي توضح ھذه السمات والمقابل الأكثر صحیة لھا:
١) إذا أحببتني سأحب نفسي، والأصح أن أتعلم محبة نفسي والاھتمام بھا، تماما كما افعل معك.
٢) مثلما تشعر سأشعر، والأصح أن أحمل مساحة من اجل مشاعرك فقط.
٣) أنا أرى أن جمیع احتیاجاتي ستتحقق من خلالك، والأصح أن نلبي احتیاجات بعضنا واحتیاجاتنا الخاصة.
٤) أنا أخادع نفسي في سبیل أن أُحب وأن یتم اختیاري من الآخر، والأصح أن أكون في بیئة آمنة للتعبیرعن ذاتي وتوفر لي القبول.
٥) الإیمان بأن العلاقات وجدت من أجل حمایتي وإصلاحي ، ولكنھا في الحقیقة بیئة من أجل نمو الطرفین وتعافیھم.
بعد ما تم ذكره، قد یتبادر إلى ذھنك أن الزواج الصحي یعني زواجا خالیا من الاعتمادیة، ولكن الواقع والدراسات تقول عكس ذلك، ففي دراسة أُجریت في أكثر من ثلاثٍ وثلاثین دولة، تم فیھا سؤال الأزواج لیختاروا أربع صفات لا یمكن الاستغناء عنھا في شریك حیاتھم، كانت الاعتمادیة المتبادلة تحتل المركز الثاني، بجانب الانجذاب المتبادل والنضوج والتوازن النفسي، وأخیرا اللطف والمرونة. [4]
ماذا عن الاعتمادية المتبادلة؟
الاعتمادیة المتبادلة تعني وجود شخصین مستقلین وناضجین، فتنمو مشاعر التعلق والرغبة بالقرب والاھتمام، ثم تقع الكثیر من الأحداث في محطات حیاتھم المختلفة التي تستوجب الدعم المتبادل، لكن مع ھذا، یمتلك كل منھما المسؤولیة تجاه مشاعره وأفعاله وإسھاماته في ھذه العلاقة، لامتلاكھم الثقة بالنفس التي تؤھلھم لإدارة مشاعرھم وأفكارھم دون الرغبة في السیطرة على الآخر وعلى ما یبدیه، ونتیجة الصدق في عرض الذات الأصیلة دون تزییف، ومنح الشریك الفرصة بأن یظھر مشاعره واحتیاجاته دون إحساسك بالمقابل بالخجل أو الانخراط في حالة من الدفاع عن نفسك، سینجم الارتیاح المتبادل لان الشعور بالقیمة الذاتیة نابع من الداخل، وبالتالي الاستقلالیة لا تعتبر تھدیدا للعلاقة، وتمنحھم شعورا بالتحرر الذي یعمق الارتباط والالتزام بالعلاقة! [5]
النضوج في العلاقات ھو أن ندرك أننا مسؤلون تجاه بعضنا البعض، ولیس عن بعضنا البعض، وھذا یعني أن أكون مسؤولاً تجاه الآخر، فأفعل كل ما أستطیع لمساعدته دون أن أكون مسؤولا عن نتائج ھذه المساعدة ومدى استفادة الآخر منھا. [6]
فحاول دائما أن تكون متوازنا في توقعاتك، وأن تجعل ضعف الإنسان واحتیاجاته وتقلباته في الحسبان، فكلما كان ھذا التوازن متواجدا كان التعامل مع التحدیات الواقعة في العلاقة مستقبلا ممكنا وتستطيع تجاوزه دون الشعور بالدھشة والخذلان نتیجة ما رسمته حلما وتحطم ببعده عن الواقع المشاهد!
المراجع:
Thomas N. Bradbury, Benjamin R. Karney.Intimate Relationships .Second Edition.W. W. Norton, 2013.attraction and mate selection. chapter 5.
Dr. Frank Conner: “The Psychology of Love: Do Opposites Attract or Do Birds of a Feather Flock Together?” August 18, 2012.
Wood, E. G., Wood, S. E., & Boyd, D.. Mastering the world of psychology. (5th ed.). United States of America: Prentice Hall. (2010).
Selva. J. 2020 . Codependency: What Are The Signs & How To Overcome It https://positivepsychology.com/codependency-definition-signsworksheets/
Lancer, D. (2013). Codependency vs. Interdependency. https://psychcentral.com/lib/codependency-vs-interdependency#1
أوسم وصفي. صحة العلاقات تحدي الشفاء والنضوج في مجتمع حقیقي.