في مشهد من مسلسل أحلام كبيرة، تُظهر المشاهد أبا عمر الذي فقد قدرته على الحركة والعمل، إثر جلطة دماغية جعلته حبيس المنزل، وهو الرجل الشامخ والمعيل لأسرته، هذه الظروف خلقت منه شخصًا آخرًا، بات ينزعج من أدنى حركة أو كلمة، لينتهي به المطاف في حوار مؤثر جدًا مع أم عمر: ” إنتِ صابرة لأنك شفقانة عليي!” لتنفي ذلك جملة وتفصيلًا وتقول: ” لأنه بحبك، ولأنك تاج راسي”.
لطالما لفتت نظري قصتهما في المسلسل لواقعيتها، وتمثيلها الطبيعة البشرية المعتادة في التعاملات الحياتية المختلفة، فلا تلبسها ثوبًا معجزًا مثاليًّا، فالعلاقة الزوجية لا يمكن أن تبقى على وتيرة واحدة من العيش الرغيد الهني، لا بدّ من امتحانات وتقلبات تقيس مدى تشبث كل طرف باستبقاء العلاقة والحفاظ عليها، وهذا لا يعني أن يكون الجهد المبذول من الطرفين متكافئًا طوال الرحلة، بل يساهم كل شخص بالقدر الذي تسعفه فيه طاقته النفسية.
وتعبر عن هذا المعنى الروائية الأمريكية كولين هوفر في روايتها
(all your perfect) على لسان البطل: ” زواجنا لم يكن مثاليًا – لا يمكن لأي زواج أن يكون مثاليًا- في مراحل كثيرة انكسرت رغبتُها في الاستمرار، وفي مرات أُخرى استسلمت أنا، لكن مفتاح استمرارنا يكمن في أننا لم نتخل عن الأمل في آن واحد.
في مقطع يوتيوبي جميل، يجلس مجموعة من الأزواج الذين عاشوا سنوات طويلة سويًا ليخبرونا عن خلاصة هذه التجربة حيث تراوحت مدة ارتباطهم ما بين خمس وعشرين سنة إلى أربع وخمسين سنة، ومما عبروا به عن هذه السنوات:
١) الظن بأن زواجًا دام كل هذه السنوات سيكون شهر عسل دائمًا هو توقع ساذج وغير معقول!.
٢) تذكر دائمًا أنه من غير الممكن تغيير شخص ليتناسب مع القالب الذي تريد.
٣) لقد كان ارتباطنا بمثابة تحدٍ مذهل؛ لأنني تعرضتُ من خلالها لثقافة لم أكن أفقه عنها شيئًا.
٤) شهدنا الكثير من الأحداث السيئة والجيدة، لكن النتيجة تستحق.
٥) دائمًا كن محبًّا وصابرًا وانظر كيف ستسير الأمور.
٦) مهما بدت الأمور صعبة، كان إيماننا بأن هناك منفذًا من النور، وشهدنا تحسّنا حقيقيًّا مع الوقت.
٧) لقد كانت دائمًا تمثّل الشخص الذي تمنّيت أن أكونه.
في العقود الماضية باتت نسب الطلاق المتصاعدة أمرًا مؤرقًا وجليًّا، ولا يمكن تجاوزها دون نظر وتمحيص، لذا كانت دراسة العوامل التي تسهم في استقرار الزواج واستمراريته محل أنظار البحّاث وتحت عدسة ملاحظاتهم.
قد يكون بديهيًّا، القول بأن وجود العلاقات العميقة والتي يعتبر الزواج من أبرز أمثلتها، مصدرًا مهمًّا للصحة النفسية والجسدية.
ويمكن تصنيف ما يحمي العلاقة الزوجية إلى عوامل متعلقة بك وأُخرى بالتفاعل مع الشريك.
العوامل التي تخصك، مثل:
١) الروحانية والتدين
٢) الالتزام والاخلاص
٣) الصفات الشخصية
٤) القدرة على الثقة والصبر، وتقديم الدعم والغفران، وقبول النفس والآخر.
بينما العوامل التي تمثل طبيعة التفاعل مع الشريك هي:
١) القدرة على التواصل.
٢) مدى الحب والتعلق.
٣) التوافق الديني.
٤) الاحترام المتبادل.
٥) حسن توزيع الأدوار
٦) قضاء وقت قيّم معًا.
٧) وجود آلية واضحة للتعامل مع المشاكل وحلها.
ولكن أتشعر أن العوامل المذكورة لا تكفي لاستقرار العلاقة؟
ففي النهاية لا يعيش الزوجان في جزيرة منعزلة عن المحيط!
فمن العوامل التي لها ثقل وتأثير:
١) الأوضاع المادية.
٢) ما يتعلق بالأطفال من تنشئة وتربية.
٣) والابتلاءات والصعوبات مثل البطالة والتحديات اليومية
ولنسلط الضوء على عوامل لها دور مميز:
الروحانية والتدين.
علاقة الزوجين بالله لها ارتباط وثيق باستقرار الزواج، فالدين يمنح المعنى، الذي يجعل التأقلم ممكنًا في أقسى الظروف، ويمكنهم من التشبث بالعائلة والالتزام بمتطلباتها.
الأزواج المتدينون، أكثر سعادة، ورضا عن حياتهم، ويملكون مرجعيّة تعرّفهم موضع قدمهم وحدودهم لتساهم في حمايتهم أثناء الخلافات؛ ففي أنسهم المستمر بالله -عز وجل- تبديد من وحشة الدنيا على اختلاف أحوالها.
الميثاق الغليظ
(وحتى تحترق النجوم)
فهم الزواج ميثاقًا يعني ألا تنظر لتفاصيل حياتك القادمة إلا بوجود أنيسك، حتى في أكثر اللحظات ارتباكًا وتوترًا وشكًّا، لن يكون التخلي حلًّا، في نظرية الالتزام؛ يرى الشريكان أن الخلاف مصيره الحل، ويتمثلون ذلك بخطوات توصلهم إليه.
الأزواج الملتزمون يشكلون هوية ثنائية يؤمنون فيها بقوة نحن لا أنا في التعامل مع الحياة.
الخلافات (هل جد القط بحب خُناقه؟)
الخلافات أمر حتمي، وقد تشير لغياب التوافق بين الزوجين في مواقف معينة، مؤديًّا لمستوى عالٍ من التوتر، كفيل بتدمير الرضا عن العلاقة واستمرارها، وهذا الأمر عائد لطريقة حل المشكلة؛ وتبعًا لنظرية التعلق، الشركاء قد يتجاوزون المشكلة بالتفاعل البنّاء، أو يصعّدوها عبر التفاعل الهدّام، أو يتجنبوها كليًّا دون أي تفاعل.
التفاعل البنّاء يشمل:
أساليبًا إيجابية لحل المشكلات، مثل: التواصل الهادئ، والتعاون مع الشريك ليعبر عما يزعجه، والالتزام في حديث منفتح وداعم ومسؤول.
وحش الفردانية (لحالي أحلالي)
في عالم تتوغل فيه الفردانية، لتنخر المجتمعات، وتجد مكانًا لا ينازعها عليه أحد، يكون الحديث عن العلاقات بصورة عامة والزواج خاصة، أمرًا واجبًا، لنذكر أنفسنا بجزء من الحياة فيه من الغنائم على الصعيد الصحة النفسية ما لا يمكن حصره أو اختصاره.