الوجه المضيء للخلافات بين الشريكين!

من المنطقي تفهُّم حماية نفسك، والدفاع عنها في حال تعرضك للاعتداء من شخص غريب، أو صراخك على شخص كاد أن يضرب سيارتك في زحمة المرور، لكن من الصعب تفسير لماذا تقوم بإيذاء أحب الناس على قلبك في بعض الأحيان؟

الخلاف بين الشريكين

مع أن العلاقة بين الشريكين قد تقوم على التشابه في بعض وجهات النظر أو الصفات الشخصية، إلا أن لكل شخص منهما أهدافه واحتياجاته وتفضيلاته، مما يجعل الحياة مليئة بالظروف والمنعطفات التي توفر بيئة خصبة لسوء الفهم، وهذا طبيعي وجزء أصيل من التفاعل الإنساني.

تبعًا للإحصائيات، ما معدل حدوث الخلافات؟

ينخرط الأزواج في الخلافات بمعدل سبع مرات كل أسبوعين، ويمرون بخلافات شديدة ومزعجة، بمعدل مرة إلى مرتين في الشهر.

وفي دراسة ضخمة تضمنت إحدى عشر ألفًا من الأزواج، تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والثامنة والعشرين، وجد أن ٢٤٪؜ من العلاقات تخللها خلافات فيها اعتداء جسدي، وقد يبدو مفاجئًا، إلا أن المرأة عادة هي من تبدأ العنف، ولكن لتباين القوى يكون الرجل هو الطرف الأقدر على الإيذاء.

ولكن مجرد معرفة عدد المرات التي يختلف فيها الشريكين، لا يعطي أي معنى أو تصور حول جودة العلاقة واستقرارها، إذ أن الأمر يعود لطبيعة ما يُختلف حوله ومدى جديته، والسلوك المتبع في حله.

ما أسباب الخلاف؟

ي مجموعة من الدراسات البحثية التي أجراها الأخصائي النفسي دونالد بيترسون، تبيّن أن الشركاء يختلفون حول كل شيء تقريبًا. كيف يقضون الوقت معًا؟ وكيف ينفقون المال؟ وكيف يتعاملون مع أهل الشريك؟ وكيف يوزعون المهام والواجبات الخاصة بالمنزل؟ وبسبب غياب التعبير العاطفي، أو المبالغة في الانفعالات مثل الغضب والمزاجية، وحول وجهات النظر السياسية والمعتقدات الدينية، والعادات الشخصية، والغيرة المتبادلة، ومشاكل الأقارب، وأبناء الشريك من زواج سابق وغيرها الكثير!

وحتى تصبح تصوراتنا عن الخلاف أوضح قام بيترسون بتقسيم أسباب الخلافات لفئات أربع وهي:

1) النقد: أي تعبير لفظي أو غير لفظي ينم عن غياب الرضا حول أفعال الشريك أو أقواله أو صفاته وطبائعه.

٢) ظروف جديدة تحمل احتياجات جديدة: حيث يجد أحد الشركاء نفسه في موضع جديد مع واجبات لم يكن يتوقعها من قبل، فتخلق نوعًا من التوتر وتشعل فتيل الخلاف؛ كأن يكون أحدهم ينجز مشروعًا ما، فيحبط الآخر لأن عليه تحمّل مسؤوليات المنزل جميعها وحده.

3) الرفض: ويمثل كل الرغبات التي يود أحد الشركاء أن تلبى ولكن يقابل بالمنع.

4) النكد التراكمي: كل التصرفات التي نصفها “بالهيّنة والعفوية” ولكن تكرارها كفيل بأن يوسع رقعة الخلاف.

هل يختلف الناس في طريقة تواصلهم أثناء الخلاف؟


في سلسلة من الدراسات البحثية لعالم النفس الإكلينيكي جون جوتمان، والتي بنيت على مجموعة ملاحظات رصدها عالم النفس هارولد روش وزملائه، وجد أن التواصل أثناء الخلافات بين الأزواج أصحاب العلاقة الصحية مختلف عن غيرهم من الأزواج أصحاب العلاقة غير الصحية، حيث تتبنى المجموعة الأخيرة مجموعة من التفاعلات التي تتصف بالآتي:

1) غلبة السلوك السلبي على الايجابي: ما يقوله الإنسان مهم وكيفية قوله قد يحمل أهمية أكبر وينقل الحوار لمستوى آخر، لذا سيكون متوقعًا أن الحوار السلبي ونبرة الصوت السلبية، تنتشر أكثر عشر مرات بين الأزواج غير السعداء.

2) التنبؤية العالية للتصرفات بين الشريكين: يظهر الشركاء في العلاقة غير الصحية نمطًا مكررًا من الأقوال والأفعال بمجرد بدء النقاش، يجعل الخلافات على تباين أسبابها تنتهي بنفس الصورة ودون أي تغيير.

3) سلسة طويلة من تبادل السلبية: يدخل الأزواج في العلاقة غير الصحية في تفاعلات سلبية متبادلة وطويلة الأمد، ومن دون القدرة على الخروج منها، على خلاف الأزواج في العلاقات الصحية فإن لهم طرقًا تساعد في كسر هذه الدائرة المفرغة.

وهنا مجموعة من الأمثلة التي توضح الاختلافات في ردود الأفعال حيث تقسم لسلوك بناء وآخر غير بناء:

– ربط القضية الحالية بمواضيع سابقة، والأفضل التركيز على القضية التي بين أيدينا دون أي تشعب.

– إلقاء اللوم على طرف واحد، والأفضل أن يعترف الطرفين بدورهم في حدوث المشكلة. – الاستماع بهدف إيجاد سبب جديد لمهاجمة الشريك والأفضل الاستماع بنية فهم ما يريد.

– الافتراض المسبق بمعرفة أفكار الشريك ومشاعره حول الأمر، والأفضل سؤال الشريك عنها دون مصادرة حقه، بالافتراضات الجاهزة.

– التنافس بالشكوى بحيث تتبع شكوى الشريك بشكوى أخرى، والأفضل سماع الشكوى مع طلب تفاصيل أكثر.

– الإملاء على الشريك بما يجب فعله لحل المشكلة، ولكن الأفضل عرض مجموعة من الاقتراحات لحل المشكلة.

– القيام بايماءات غير مناسبة أثناء حديث الشريك، والأفضل الاستماع بتعاطف واهتمام.

– المقاطعة المستمرة للشريك، والأفضل أن يُعطى الوقت الكافي لينهي فكرته وما يزعجه أو يقلقه حتى النهاية.

هل من الممكن للخلافات أن تكون نافعة للعلاقة ؟

يقول بيترسون: سيساهم كل خلاف باكتشاف جانب جديد عن الشريك، وإن كان خلافًا بنّاء مملوءًا بالتفهم، سيفضي إلى إكبار القيم التي يحملها كل طرف، فهذا الخلاف الذي كان عاصفة خرجوا منها أكثر قربًا وتقديرًا، عزز أواصر الثقة والمحبة.

فالخلاف ليس أمرًا سيئًا بالكليّة، بل يعتبر مرآة تسمح برؤية القضايا المؤرقة، وما لا يحتمل في العلاقة، وبالتالي استدعاء الحلول ورفع جودة العلاقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top