تأملت كثيرًا في أحوال الناس، وشدة تباين هممهم في تحصيل غاياتهم، لا بل اختلاف الشخص نفسه في عملية السعي فإما أن تتصاعد أو تخبو أو تثبت دون تقدم أو تراجع.
وأسقطت ذلك على نفسي، ورأيت فيها ما عاينت من الناس، فها هي تقدم دون تهيّب في أحيان، وسرعان ما أراها عازفة كأن لم تفُر نشاطًا في الأمس، وكيف تستغرق في بعض المهام حتى آخر لحظة دون أي ملل أو كسل.
ورحت أفكر، ما السبب ووجدت الجواب في كلمة أطلقها الله على نخبة الرسل، فاسماهم مادحًا: أولي العزم.
إذن، كلمة السر هنُا هي العزم، وأقصر الطرق للتخلق التعرُّف، فبحثت عن معنى العزم لغة: وهو الجَزْمُ بِالفِعْلِ وعَدَمُ التَّرَدُّدِ فِيهِ، وهو مُغالَبَةُ ما يَدْعُو إلَيْهِ الخاطِرُ مِنَ الِانْكِفافِ عَنْهُ؛ لِعُسْرِ عَمَلِهِ أوْ إيثارِ ضِدِّهِ عَلَيْهِ. أي أن الإنسان العازم يغالب هوى نفسه، ويتخلى عن التدقيق بشوائب الطريق، مُتذكِّرًا:
وهكذا فإن من وجد من نفسه تمكُّنًا من علم أو مهارة، جبلة أو اكتسابًا، فلا بد له من عزم يعينه على الترقي، والوصول لمرتبة يسعه فيه أن يتصدّر وينفع الناس بما لديه، لأن كل مساحة لا تُملأ بما ينفع، لن تبقى فارغة، بل ستجد غثًّا وباطلًا يتنافس ليشغلها.
وعندما يُجاهد كل شخص في طريقه، نازعًا نفسه من كل ما يعرقله ليبقى في الخلف أو في مكانه، ومتشبثًا بالعمل لبلوغ الكمالات، كان أبعد عن التقليل من كفاءته، وأقدر على أن يعلو صوته على من رفع صوته لخلو الساحات لا لصدحه بالحق.
وصدق فإن النقص مع القدرة على التمام عيب لا مبرر له، ولأن القدرة نفسها ليست متاحة في كل وقت؛ فالعيش عيشان ذو صفو وذو كدر، والفطِن من اسثمر أيام الصفو قبل أن تحيق به أيام الكدر.
ومما يعين على عزم لا يختلط بفتور، حسن الظن بالله، والإيمان أن الأرزاق والنتائج بيد الله عز وجل، فلا ينثني الإنسان إن كانت الفائدة ليست على قدر العمل، فما شاء كان وإن لم تشأ.
ها نحن نشهد اليوم، من النقاط المفصلية، التي تحث كل واحد منا أن ينزع رداء الدّعة، ويتخفف من محبة الدنيا، ويستأسد في سعيه لما يريد، فإن الأمم تقام بعزائم ابنائها، فلا تستهن بعزيمتك.