تقول الأخصائية النفسية تارا براش: “كل ما لا نحتضنه حبًّا يكبلنا مهما كان وإذا اخترنا محاربته سنقع سجناء له.”
ما التقبل الجذري؟ (Radical Acceptance)
أحد مهارات العلاج الجدلي السلوكي، الذي يمكِّن الناس من التعامل مع الأحداث والأشخاص والجوانب المؤلمة من الحياة، وهو قبول الحياة وعدم مقاومة ما لا يمكن اختياره أو تغييره.
غالبًا ما يردد الناس عبارات مثل:
1. هذا غير عادل.
2. لا يمكن سيْر الأمور على هذا النحو!
3. هذا غير مقبول ولا يمكن الاقتناع بصحته!
ظنًا منهم أن الرفض سيغير من حقيقة وجوده، وعلى الجهة الأخرى يرون في القبول خضوعًا وموافقة، وهذا غير صحيح، لكن كل ما في الأمر أن العيش بصورة المقاتل والمقاوم للحقائق مستنزف ولن يغير شيئًا، بل سيزيد التجربة ألمًا.
التقبل الجذري عند مارشا لينهان
تقول مارشا -وهي عالمة النفس والمدرّسة والمؤلفة الأمريكية التي ابتكرت العلاج الجدلي السلوكي-:
عليك تعلُّم الاستغناء وإدراك غياب ضمان الحصول على ما تريد، وأن كبت الاحتياجات ليس طريقًا للخلاص، بل من المهم قبول وجود أشياء تود امتلاكها ولا تستطيع، وهذه الفكرة غير كارثية وليست نهاية العالم!
وتؤكد أن ممارسة القبول الجذري في كل حين قادر على تغيير الشخص، وفي نفس الوقت هذه ليست دعوى للسكون وعدم المحاولة لتغيير الأمور، بل التركيز على أن المطلوب تقبُّل كل ما مضى مع احتمالية التغيير مستقبلًا؛ لأنه لا يمكن تغيير ما لا تتقبل.
متى يستخدم التقبل الجذري؟
يستخدم التقبل الجذري عندما مواجهة صعوبة في تجاوز حادث مؤلم أو صادم في الماضي أو الحاضر.
خاصة تلك التي حدثت وكانت خارج دائرة تحكم الإنسان، على سبيل المثال: قد يتعرّض أحدهم لموقف سبب له ألمًا ولا يقدر على الغفران، أو ربما عانى من فقدان أحد أفراد أسرته أو تعرض لانفصال مؤلم عن شخص يحبه.
تقبل أم استسلام؟
في الاستسلام فكرة محوريّة مفادها، “هذا ما عليه الحال، لا فائدة من الانشغال بهذا الأمر .”
فيمعن الإنسان بحالة من الانهزامية وعدم القدرة على التغيير؛ وكل أحداث الحياة معاكسة وضده تمامًا.
وتستخدم هذه الأنواع من العبارات بشكل شائع كوسيلة لتقليل المشاعر السلبية -وهذه الرغبة منطقية- فقد نشأ الكثير منا على النظر إلى بعض المشاعر مثل: الحزن والغضب والخوف بأنها غير مفيدة وسيئة، لا سيما في المواقف الخارجة عن سيطرتنا، ونتيجة لذلك غالبًا ما نخجل بسبب ردود أفعالنا العاطفية، ونحاول أن نجنب أنفسنا الشعور ونتجاوز الألم، وبهذا نخسر حقنا بالشعور.
وهذا الإنكار ينجم عنه فقدان الاتصال مع العواطف، التي يقول المنظرون في العاطفة أنها تمكننا من التكيف والبقاء؛ فيدفعنا الغضب إلى تصحيح الظلم، ويخبرنا الخوف عن وجود تهديد، ويذكرنا الحزن بالتمهل وطلب الدعم.
وبينما يشترك القبول مع الاستسلام من حيث الاعتراف بنقص القوة أو السيطرة على مجريات الأمور لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل القبول يمثل حالة نشطة يلتزم فيها الإنسان بمجموعة من العمليات التالية: ١) الاعتراف بحقيقة الوضع الراهن. ٢) المصادقة على المشاعر الخاصة. ٣) البحث عن الدعم والمساعدة.
التقبل الجذري = الممارسة
يقول كارل يونج: لا يمكننا تغيير أي شيء حتى نقبله.
عندما تتدرب على التقبل، يستمر الشعور بخيبة الأمل والحزن وربما الخوف فيما ذكرنا من مواقف آنفًا، لكن لن يضاف عدم القبول إلى تلك المشاعر وتزداد الأمور سوءًا. كل شخص سيعاني من فقدان شخص يحبه، سيكون موت أحد الأحبة دائمًا صعبًا ومؤلمًا، القبول يعني إمكانية البدء من جديد، بينما مقاومة الواقع تؤخر الشفاء وتضيف المعاناة إلى الألم. بممارسة القبول يوميًّا، قد تكون أكثر استعدادًا لتواجه أصعب التجارب في الحياة.
ولكن متى يكون التقبل غير مناسب؟
1. إذا كنت في علاقة مسيئة.
2. إذا كنت تتعرض للمضايقة في العمل.
3. إذا تعرضت للاستغلال في العمل أو لم تحصل على أجر عادل.
4. إذا عوملت بقلة احترام.
5. اذا استخدم القبول ذريعة لتجنب المواجهة.
6. اذا لجأت للسلبية في مواقفك خوفًا لا قبولًا وتجاوزًا.
7. عندما تنشغل برضا الناس عن حماية نفسك.
في هذه الحياة لن تسير الأمور دائمًا على خير ما يرام. لذلك كرر دعاء السكينة وقل: “اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها والحكمة لمعرفة الفرق بينهما”.



