الليل
لا يتّسعُ لأرقي
البكاء
لا يتّسعُ لدمعي
أصدقائي
لا يتّسعون لي
وحدهُ الموتُ يتّسعُ!
– سوزان عليوان.
يرى المقدِم على الانتحار في الموت نجاة، وفي الحياة غيابًا لكل معنى وقيمة، فلا الأهل ولا الأحباب ولا الأهداف تجعله يتشبث بالعيش، فيغدو كل شيء قابلًا للتخلي.
كتبتُ ذات مرة: أتدري ماذا فات من مات منتحرًا؟
إدراك أن لا شيء يستحق.
قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ”
في هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم مدى حقارة هذه الدنيا، ومهما عانينا فيها هي مجرد ممر لدار الخلود هناك حيث لا تعب ولا وصب.
لكن الإنسان في خضم الأوجاع، لا يرى في الأفق إلا الأبواب الموصدة، ويظن أنه هالك لا محالة، ففي تلك اللحظات إن أقدم على قتل نفسه، يخسر الكثير وأعظم ما يخسره، فوات رؤيته لتبدل الأحوال، وإحساسه بنسمات الفرج على تنوع صورها، وإعطاء الأشياء حجمها الحقيقي بعد استيقاظه من سكرة الشعور.
لذا أحمد الله كثيرًا على نداءات الاستغاثة التي تأتي على صورة رسائل النهاية فهي بمثابة القشة التي يتعلق بها الغريق، ليرى مدى تشبث من حوله به، واهتمامهم بوجوده، ومن هذه الرسائل:
- ” أنا قررت رح أموت حالي”
- “وجودي وعدمه واحد”
- “الحياة حتكون مكان أحسن بدوني”
- “بتمنى تنتبهي على اللي بحبهم”
لم أدخل معترك الطب النفسي بعد، ولكني على أعتاب البدايات اختبرت شيئًا من ألم هذه المهنة، فقط لمجرد معرفة البعض انني أحب هذا التخصص، وردتني مثل الجمل التي في الأعلى ثلاث مرات، توقفت فيها الحياة للحظات، تجمدت أطرافي، وتسارعت أنفاسي، في كل مرة مع انقباض قلبي، قبل أن أحاول تمالك نفسي ثم مباشرة ما يجب فعله قدر المستطاع..
في كل مرة يتردد في ذهني ألف سؤال عن ذاك الشعور الذي جعل شخصًا يفكر إنهاء حياته!
ما هي المواقف والمشاعر و الخيبات والصدمات والآلام، التي جعلته يتخلى عن أثمن ما لديه، نفسه التي بين جنبيه!
في تلك اللحظات يكون الحديث عن الأمل والفرج وتغير الحال رفاهية لا تسمن ولا تغني من جوع، الطرف الاخر يريد منك، انتباهًا لا وعظًا، واصغاءً لا حديثًا، واحترامًا لمشاعره لا انتقاصًا، وأن يكون كل ما يمر به من شعور محل تقدير واعتراف، فهو خائف ويائس من الحياة، ولا يرى شعاع النور الموعود به في آخر النفق، وقد ينطق أيضًا بما يتنافى مع الصبر والرضا، لكن في هذا الوقت بالذات التوجيه والنصح لن يجد محلًا قابلًا لاستقباله.
لو كان هناك نصيحة لكل من سيمر بهذا الموقف سأقول: استمع له حتى النهاية، هو لا يريد كلامًا كثيرًا، إنّما قلبًا محبًا وصدرًا رحبًا لاستماع الشكوى، حتى يفرغ ما في جعبته، فيخبرك في نهاية المطاف أنه تراجع، فأثناء الحديث وجد أسبابًا تجعله يستمر، مثل حلم لم يصله بعد، وأحبة يكنّ لهم التقدير فيبقى لأجلهم لا لأجله، أو حتى لأن ما قطعه من طريق يستحق منه الاكمال.
أما الحزن الأشد، هو ما يجعل أحدهم يقدم على مغادرة هذه الأرض، دون أن ينبس ببنت شفة، أولئك الذين كانوا بيننا يضحكون ويعملون، حتى اذا سمعت ذلك النبأ تنهار أركانك؛ لشدة استبعادك صدور هذا عنهم.
كل يوم يزداد إيماني، أن التفاعل مع الآخرين حولنا بإحسان، قد يكون دافعًا لهم حتى يستمروا، وأن يتجاوزوا، وأن يحاولوا أكثر، فكن محسنًا.
وتذكر مهما اشتد الكرب:
لا شئ يعزينا في معركة الحياة مثل الحب والفن والصداقة.