في فيديو قصير لأحد الأزواج المشهورين، لفتني التعليق في أسفله من صاحب الصفحة، كم يحتوي من ثناء وتبجيل لعلاقتهما، والدعاء لهما كأنهما من أهل بيته وخاصته، وقادني هذا لسؤال، ما الذي يدفع شخصًا أن يتصدَّر بهوية إنسان آخر، ويسخِّر وقته وجهده في متابعة أخباره وليس هذا فحسب بل ينشرها بتصميمات معينة ولا يتوانى عن تمجيده، بمناسبة أو بدون؟!
والأعجب من هذا كله، رواج هذا المحتوى، وامتلاكه لأعداد كبيرة من المتابعين!
ألا ترون أنها ظاهرة جديرة بالبحث عميقًا حول دوافعها وانتشارها؟
في الإنجليزية يطلق على هذه الظاهرة “عبادة المشاهير”، أي عندما تتمحور حياة الإنسان حول شخص ما لا تجمعه معه أي رابطة حقيقية!
نُفتن بالإنجاز، ونتعامل مع كل نموذج ناجح، ومشهور وكأنه يحمل قبسًا من النور، يلهمنا، ويؤجج الرغبة في العمل لبلوغ بعض ما وصلوا إليه، ولكن هناك فرق شاسع بين الإلهام، الذي يقود المرء للسير في طريقه متفرّدًا، ومراعيًّا لخصوصية أهدافه وشخصيته، وبين من يتتبع المشهور حذو القذة بالقذة، منسلخًا عن ذاته، منتحلًا لشخصية ذاك المشهور، ليرى في اهتماماته، وطريقة لبسه، واسلوب حديثه، وسلوكياته، صورة تستحق الاستنساخ التام.
بأبصار شاخصة، وقلوب مولعة، وعقول مغيبة، هكذا يعيش المهووسون بالمشاهير.
وعلامة هذا الهوس، لا أن يكون المشهور جزءًا من المحبوبات والانشغالات، بل أن يسكن الإنسان، ويحتل كيانه، فلا تطلع شمس ولا تغرب إلا وكان المشهور حديثه مع جلّاسه، ونديم أفكاره، والمستولي على مشاعره.
لا يوجد طبعًا تشخيص نفسي يسمى متلازمة الهوس بالمشاهير، ولكن هو وصف لسلوك وسواسي إدماني.
وهذه الظاهرة الملفتة، تحمل بعدًا نفسيًّا، يفسر قطعان الناس السائرين بلا هدى خلف المشاهير:
جانب بارز
ما يميّز حياة المشهور، أن الناس يعرفون منها ما يحب هو أن يُعرف، يُحدد تمامًا، ما اللحظات التي ستوثق وتُنشر للعامة، أيامه الجميلة، والمواقف الممتلئة حماسًا، وذروة نجاحاته، ومظاهر ترفه اللامحدودة.
يتلقى المعجب المفتون كل هذا، وهو يعاني الويلات، من تقلب الأيام، بين الفشل والانجاز، والفقر والسعة، والملل القاتل واللحظات السعيدة القليلة، وكم تبدو المقارنة مجحفة بين حياته القاتمة، والحياة البرّاقة التي يهنأ بها صديقنا المشهور.
والاندماج مع حياة المشهور المثلى – كما يظن – تكون إحدى أدوات الهرب والنجاة من تعاسة الواقع وألمه.
البحث عن انتماء وهوية
يميل الإنسان لأن يكون ضمن جماعة، تؤلف بينها قواسم مشتركة، ليعزز شعوره بالانتماء، وفي الإعجاب بمشهور محدد، إشباع لهذه الرغبة، بتوحد الاهتمام، ومشاركته، وغالبًا ما يعاني المعجبون من ضبابية في تحديد هوياتهم، ويجدون في الانغماس بهوية المشهور تعويضًا لهويتهم المفقودة.
رابطة متوهّمة
كل مستهلك للمادة الإعلامية التي تصدِّر المشاهير على الشاشات يبني رابطة عاطفة عميقة معهم، على الرغم من أنهم لا يعرفون بوجوده حتى!
إدمان وسائل التواصل
التعرُّض المستمر لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعية، يساهم بوضوح في تشكيل اهتمامات الفرد ومعتقداته وقيمه، ولأن تفاصيل حياة المشاهير تشغل حيِّزًا كبيرًا من محتوى هذه المنصات، المحصلة تطبيع مع ثقافتهم وخلق حالة من من المثالية عنهم تعزز الهوس بهم.
وهذه بعض الأسباب، والمقام لا يتسع لحصرها، ويأتي السؤال الأهم ما الآثار السلبية لهذا الهوس بالمشاهير؟
١) كلما كان التعلق شديدًا، ارتبط بمستويات أعلى من القلق والاكتئاب والتوتر.
٢) دور كبير في تحديد تصورات المرء حول شكله وجسده، وما يرافق ذلك من سلوكيات لتغيير الشكل بمستحضرات التجميل أو العمليات أيضًا، وما يخلف ذلك من آثار سلبية على الثقة بالنفس وخاصة في مرحلة المراهقة.
٣) تعزيز الاستهلاك والمادية، وأنماط الشراء القهرية.
٤) التأثير على العلاقات الشخصية، نتيجة قضاء وقت أطول في تتبع أخبار المشهور وأماكن وجوده على حساب وقت العائلة والأصدقاء.
لا شيء يبقى للأبد إن وجد الوعي بالمشكلة، ومن أبرز الحلول لهذه الظاهرة:
١) وضع قواعد للمتابعة، حتى وإن كان هذا المشهور ملهمًا، وتهمك أخباره، اجعل هذا الأمر محصورًا بوقت محدد، وذكِّر نفسك: كل وقتي ثمين، يجب أن يملأ بما ينفعني، ويقسم بوعي وتبعًا للأولويات.
٢) الأهداف الشخصية تنقذ من الوقوع بفخ عيش حياة الآخرين، وذلك بتحويل الانتباه والتركيز من مساحة رؤية الآخر ينجز، إلى مساحة الإنجاز الشخصي.
٣) تصفح وسائل التواصل بوعي، بدلًا من التركيز على المشاهير وحياتهم، حاول أن تنظر المحتوى الذي يزيدك تفوقًا ويشجعك على إكمال مسارك الأكاديمي والعملي.
تأكد أن كل فراغ لا تملأه بما ينفعك، سيكون مرتعًا لسفيه الأفكار، والدخول في سلسلة من الاهتمامات والانشغالات التي تخلق اغترابًا عن نفسك، واعلم أن التشخيص المتأخّر، كما نقول في لغة الأطباء، أدعى لمآلات لا نرغبها، كانت لتكون أفضل لو بادرت للبحث عن الدواء مبكرًا.