أبطال المشاريع المبتورة!

يقول الأستاذ بدر الثوعي: “إذا كنت كلما ضغطت عليك الظروف فكرت بالانسحاب فلن يكتمل لك شئ أبدًا، وإنما ستكون أشتات بدايات.”

لا بد أنك تتذكر اليوم الذي قررت فيه حفظ القرآن وتوقفت بعد فترة، واشتراك النادي الرياضي الذي لم تزره إلا في يوم التسجيل، ودروس اللغة التي تهتم بتعلمها مركونة على الرف، والكتاب الذي قرأت فصلاً منه منذ ستة شهور وما عدت إليه للآن وأسئلة عديدة تلح عليك.

لماذا لا أنهي ما بدأته؟ لماذا حياتي مليئة بأنصاف الإنجازات؟ لماذا أتقن الهروب في منتصف الطريق،؟من بين كل هذه الأسئلة لماذا لا يسعفني حماس البدايات على إتمام ما شرعت؟

حماس البدايات والاصطدام بالواقع

إن البدء بمشروع ما أشبه بالوقوع في الحب، فتكون ممتلئًا بالحماس ومندفعًا بطاقة كبيرة، وبجانب هذا الهوس والفرح الشديد بما هو جديد تهيمن عليك فكرة أن كل شيء سيسير على أفضل ما يكون؛ متجنبا التفكير بكمية التحديات والعوائق والإخفاقات التي ستواجهك.

عندما تبدأ في النشاط على تباين نوعه سواء كان مشروعًا دراسيًا، أو مشروع ارتباط ، أو مشروع عمل، تبدأ التوقعات العالية بالانهيار، فذلك يحتاج وقتًا أكثر مما توقعت، أو فيه من الملل والتعب الكثير، فتدرك أنك لست مستعدا للخطوة التالية بعد، وتشعر أنك متورط وعالق تمامًا، ثم تتوقف عن العمل، ولكنك غير مدرك أن ما تفعله هو توقف عن المحاولة بصورة أساسية، منتظرًا فرصة ووقتًا آخرًا تكون فيه الظروف أفضل، ولكن هذا الأفضل لن يأتي أبدًا!

قد يكون هذا النوع من التسويف مدفوعًا برغبتك في إنجازٍ أكثر مثالية، والخوف من أن الخطوات القادمة لن تكون كما تريد، وبهذا قد تكون أكبر عقبة في طريقك؛ أفكارك.

تقول الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال روزابيث كانتر: هناك مرحلة تتوسط حماس البداية ومتعة التمام يخفت فيها الحماس ويتصاعد فيها المجهود ويسيطر فيها الخوف من الفشل، ذلك الوقت الذي تواجه فيه الواقع، ولكن كانتر تقول أن هذه المرحلة يمكن توقعها قبل وقوعها وتجنبها أيضًا.

فما هي الخطوات والأفعال التي تمكنك من الوفاء بالوعود التي تقطعها لنفسك أو للآخرين،وتجعل من الإنجاز أمرًا ممكنًا؟

1. كن واعيًا بنمط البدء والتوقف: وهذا يكون بتسجيل أنماط السلوك المترافقة مع بدء مشروع ما وما يجعلك تتوقف، وقد تستعين بشخص مقرب ليعينك على ترتيب أفكارك، وبالتدوين قد تلاحظ أنماطًا مشتركة في المشاريع غير المستكملة ومن ثم التدارك والتعديل.

2. قم بتقدير الوقت والجهد المتوقع لإنجاز المهمة، ثم ضاعفه: لماذا؟ لأن الحماس في أعلى مستوياته في البداية ويترافق هذا مع تقدير غير منطقي للوقت والجهد اللازم توفيره، ومن أهم الأسباب للترك في المنتصف هو (planning fallacy) ما يسمى بمغالطة التخطيط التي يقع الناس فيها مرارًا بحيث يخططون لإنهاء المهام في وقت أقل من المفروض، بالرغم من أن معظم مخططاتهم السابقة أخذت وقتًا أكثر مما توقعوا! لكن إذا كانت مضاعفة الوقت تبدو مثبطة للهمة، سيكون خيارك الثاني، هو جعل الإنجاز متناسبًا مع الوقت، فبدلًا من كتابة خمس تدوينات أسبوعيًا، اجعلها ثلاثًا.

3. كن حذرًا عندما تشارك مخططاتك مع الآخرين: تحمل المشاركة بعدان، أحدهما إيجابي؛ فإخبار الآخرين أنك ستقوم بشيء ما يجعلك أكثر التزامًا تجاهه، وستحاول جاهدًا لإتمامه. ولكن على الجانب الآخر عندما تخبر صديقًا أنك ستقوم بدراسة موضوع معين اليوم فيربت على كتفك مادحًا إيّاك بحسن صنيعك مقدمًا، ستكون استقبلت الشعور بالإنجاز مبكرًا، وهذا قد يقعدك عن العمل للأسف.

4. البحث المطوّل والعميق حول المشروع قبل بدء العمل: انظر دائمًا في تجارب من سبقوك على هدفك الحالي، لن تكون بالطبع أوّل من يحاول تخفيف وزنه، ولست أول من سيتعلم لغة جديدة، ومع تراكم المعلومات ستكون الخطة أكثر واقعية.

5. ابتعد عن كتابة الهدف العام، وحاول كتابة سلسلة من الخطوات: بدلاً من التفكير في كل ما يجب فعله، فقط فكّر بالخطوة القادمة من المشروع وأنجزها، فالنظرة الشمولية قد تجعلك ترى الأمر بعيد المنال، لكن المهام الصغيرة والمجزأة تجعلك تشعر بالرضا والإنجاز وتعينك على الاستمرار، فتغير تفكيرك من حساب كم تحتاج لتصل إلى أن تفرح بعد كل خطوة لأنك بتّ أقرب للهدف.

6. تأكد أن دافعك للإنجاز ينبع من الداخل: هل تفعل ما تفعل لأسباب ذات معنى؟ أم تظن أن ما تفعله سيجلب لك الشهرة والمال أو ما يعادل هذه الأمور؟ إذا كنت تجد المتعة في التعلم لن تكون قلقًا بصورة كبيرة إذا أخذ ما تتعلمه وقتًا أكثر من المتوقع.

7. إدراك تكلفة عدم الانتهاء: المشاريع غير المستكملة لا تذهب بعيدًا بتجاهلها بل تبقى كالأشباح التي تتربص بنا، فإذا كان الانسحاب ديدنك فأنت في النهاية تقيّد نفسك باليأس والاستسلام، ولكن في المقابل كل ما أتممت في الماضي يمنحك دفعة معنويّةً عالية من الثقة، ويجعلك تؤمن بأنك تستطيع.

هذا لا يعني أن الانسحاب لن يكون حلاً في بعض الأحيان، وأن من الضروري أن يترتب عليه شعور بالفشل.

وتذكر:

بعض المعارك في خسرانها شرف

من عاد مهزومًا من مثلها انتصر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top